فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: من قول الله تعالى للكفار حين ردّوا بهذا الجواب.
وقيل: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال: يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال: نعم.
قال: فما باله لم يطعمهم؟ قال: ابتلى قومًا بالفقر، وقومًا بالغنى، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإعطاء.
فقال: والله يا أبا بكر ما أنت إلا في ضلال! أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنتا؟ فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقىوصدق بالحسنى} [الليل: 5 6] الآيات.
وقيل: نزلت الآية في قوم من الزنادقة، وقد كان فيهم أقوام يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع، واستهزءوا بالمسلمين بهذا القول؛ ذكره القشيري والماوردي.
قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ متى هَذَا الوعد} لما قيل لهم: {اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} قالوا: {مَتَى هَذاَ الْوَعْدُ} وكان هذا استهزاء منهم أيضًا أي لا تحقيق لهذا الوعيد، قال الله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ} أي ما ينتظرون {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} وهي نفخة إسرافيل {تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أي يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في مكانهم؛ وهذه نفخة الصَّعْق.
وفي {يَخِصِّمُون} خمس قراءات: قرأ أبو عمرو وابن كثير: {وَهُمْ يَخَصِّمُونَ} بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد.
وكذا روى وَرْش عن نافع.
فأما أصحاب القراءات وأصحاب نافع سوى ورش فرووا عنه {يَخْصِّمُونَ} بإسكان الخاء وتشديد الصاد على الجمع بين ساكنين.
وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة: {وَهُمْ يَخْصِمُونَ} بإسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه.
وقرأ عاصم والكسائيّ {وَهُم يَخِصِّمُونَ} بكسر الخاء وتشديد الصاد، ومعناه يخصم بعضهم بعضًا.
وقيل: تأخذهم وهم عند أنفسهم يختصمون في الحجة أنهم لا يبعثون.
وقد روى ابن جبير عن أبي بكر عن عاصم، وحماد عن عاصم كسر الياء والخاء والتشديد.
قال النحاس: القراءة الأولى أبينها، والأصل فيها يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فنقلت حركتها إلى الخاء.
وفي حرف أُبَيّ {وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ} وإسكان الخاء لا يجوز، لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف مدٍّ وَلِين.
وقيل: أسكنوا الخاء على أصلها، والمعنى يخصم بعضهم بعضًا فحذف المضاف، وجاز أن يكون المعنى يخصمون مجادلَهم عند أنفسهم فحذف المفعول.
قال الثعلبي: وهي قراءة أبيّ بن كعب.
قال النحاس: فأما {يَخِصمُون} فالأصل فيه أيضًا يختصمون، فأدغمت التاء في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين.
وزعم الفرّاء أن هذه القراءة أجود وأكثر؛ فترك ما هو أولى من إلقاء حركة التاء على الخاء واجتلب لها حركة أخرى وجمع بين ياء وكسرة، وزعم أنه أجود وأكثر.
وكيف يكون أكثر وبالفتح قراءة الخلق من أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينةا وما روي عن عاصم من كسر الياء والخاء فللإتباع.
وقد مضى هذا في البقرة في {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} وفي يونس {يَهْدِي}.
وقال عِكرمة في قوله جل وعز: {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} قال: هي النفخة الأولى في الصور.
وقال أبو هريرة: يُنفخ في الصُّور والناس في أسواقهم: فمن حالبٍ لقحة، ومن ذارعٍ ثوبًا، ومن مارّ في حاجة.
وروى نعيم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فلا يطويانه حتى تقوم الساعة، والرجل يَلِيط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يَتَبلَّعها حتى تقوم الساعة» وفي حديث عبد الله بن عمرو: «وأوّل من يسمعه رجل يَلُوط حوضَ إبله قال فيصعق ويصعق الناس» الحديث {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي لا يستطيع بعضهم أن يوصي بعضًا لما في يده من حق.
وقيل: لا يستطيع أن يوصي بعضهم بعضًا بالتوبة والإقلاع؛ بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم.
{وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} إذا ماتوا.
وقيل: إن معنى {وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} لا يرجعون إليهم قولًا.
وقال قتادة: {وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} أي إلى منازلهم؛ لأنهم قد أعجلوا عن ذلك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا}.
بيانٌ لإعراضِهم عن الآياتِ التَّنزيليةِ بعد بيانِ إعراضِهم عن الآياتِ الآفاقيةِ التي كانُوا يشاهدونَها وعدم تأمُّلِهم فيها أيْ إذَا قيل لهم بطريقِ الإنذارِ بما نزل من الآيات أو بغيره اتَّقوا {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} من الآفاتِ والنَّوازلِ فإنَّها محيطة بكم أو ما يصيبكم من المكاره مِن حيثُ تحتسبون ومن حيثُ لا تحتسبون أو من الوقائع النَّازلةِ على الأُمم الخالية قبلكم والعذاب المعدِّ لكم في الآخرة أو من نوازل السَّماءِ ونوائب الأرض أو من عذاب الدُّنيا وعذاب الآخرةِ أو ما تقدَّم من الذُّنوبِ وما تأخَّر.
{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} إمَّا حال من واوِ واتَّقوا أو غايةٌ له أي راجين أنْ تُرحموا أو كي تُرحموا فتنجُوا من ذلك لما عرفتُم أنَّ مناط النَّجاةِ ليس إلاَّ رحمةَ الله تعالى. وجوابُ إذا محذوف ثقةً بانفهامِه من قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايات رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} انفهامًا بيِّنًا أمَّا إذا كان الإنذارُ بالآيةِ الكريمة فبعبارةِ النَّصِّ وأمَّا إذا كان بغيرها فبدلالته لأنَّهم حين أعرضوا عن آياتِ ربِّهم فلأنْ يُعرضوا عن غيرِها بطريق الأولويَّةِ كأنَّه قيل: وإذا قيل لهم اتَّقوا العذاب أعرضُوا حسبما اعتادُوه. وما نافيةٌ وصيغةُ المضارع للدِّلالة على الاستمرارِ التَّجدُّدِي ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم، والثَّانيةُ تبعيضية واقعة مع مجرورِها صفةً لآيةٍ. وإضافة الآيات إلى اسم الرَّبِّ المضاف إلى ضميرِم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترُءوا عليه في حقِّها، والمراد بها إمَّا الآيات التَّنزيليةُ فإتيانها نزولُها والمعنى ما يُنزَّل إليهم آيةٌ من الآيات القرآنيةِ التي من جُملتها هذه الآياتُ النَّاطقةُ بما فُصِّل من بدائع صنعِ الله تعالى وسوابغ آلائِه الموجبة للإقبال عليها والإيمانِ بها إلاَّ كانُوا عنها مُعرضين على وجه التَّكذيبِ والاستهزاء، وإمَّا ما يعمُّها وغيرها من الآيات التَّكوينيَّةِ الشَّاملةِ للمعجزات وغيرها من تعاجيبِ المصنوعاتِ التي من جُملتها الآياتُ الثَّلاثُ المعدودة آنِفًا فالمرادُ بإتيانها ما يعمُّ نزول الوحيِ وظهور تلك الأمورِ لهم. والمعنى ما يظهر لهم آيةٌ من الآيات التي من جُملتها ما ذُكر من شئونه الشَّاهدةِ بوحدانيَّتِه تعالى وتفرُّدهِ بالألُوهَّيةِ إلاَّ كانُوا عنها مُعرضين تاركين للنظر الصَّحيحِ فيها المؤدِّي إلى الإيمان به تعالى. وإيثارُه على أنْ يُقال إلاَّ أعرضُوا عنها كما وقع مثلُه في قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} للدِّلالةِ على استمرارهم على الإعراضِ حسب استمرار إتيانِ الآياتِ، وعن مُتعلِّقةٌ بمعرضين قُدِّمتْ عليه مراعاةً للفواصل. والجملةُ في حيِّزِ النَّصبِ على أنَّها حالٌ من مفعولِ تأتي أو من فاعلِه المتخصصِ بالوصف لاشتمالِها على ضمير كلَ منهُما، والاستثناءُ مفرَّغٌ من أعمِّ الأحوالِ أي ما تأتيُهم من آيةٍ من آيات ربِّهم في حالٍ من أحوالِهم إلا حالَ إعراضِهم عنها أو ما تأتيهم آيةٌ منها في حالٍ من أحوالِها إلا حالَ إعراضِهم عنها.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} أي أعطاكُم بطريق التَّفضلِ والإنعام من أنواع الأموالِ عبَّر عنها بذلك تحقيقًا للحقِّ وترغيبًا في الإنفاق على منهاج قولِه تعالى: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} وتنبيهًا على عِظَمِ جنايتهم في تركِ الامتثالِ بالأمر، وكذلك من التبعيضية أي إذا قيل لهم بطريق النصيحة أنفقُوا بعض ما أعطاكم الله تعالى من فضله على المحتاجين فإنَّ ذلك ممَّا يردُّ البلأَ ويدفعُ المكاره {قَالَ الذين كَفَرُواْ} بالصَّانعِ عزَّ وجلَّ وهم زنادقةٌ كانُوا بمكَّةَ {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} تهكُّمًا بهم وبما كانُوا عليه من تعليق الأمورِ بمشيئةِ الله تعالى: {أَنُطْعِمُ} حسبما تعظوننا به {مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} أي على زعمِكم. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُمَا: كان بمكَّةَ زنادقُة إذا أُمروا بالصَّدقةِ على المساكين قالوا لا والله أيُفقره الله ونُطعمه نحنُ. وقيل قالَه مُشركو قُريشٍ حين استطعمهم فقراءُ المؤمنين من أموالهم التي زعمُوا أنَّهم جعلُوها لله تعالى من الحارث والأنعامِ يُوهمون أنَّه تعالى لما لم يشأْ إطعامَهم وهو قادرٌ عليه فنحن أحقُّ بذلك، وما هو إلا لفرطِ جهالتِهم فإنَّ الله تعالى يُطعم عبادَه بأسبابٍ من جُملتها حثُّ الأغنياءِ على إطعامِ الفُقراء وتوفيقُهم لذلك.
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ} حيثُ تأمروننا بما يُخالف مشيئةَ الله تعالى. وقد جُوِّزَ أنْ يكونَ جوابًا لهم من جهتِه تعالى أو حكايةً لجواب المُؤمنين لهم.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} أي فيما تعدوننا بهِ من قيام السَّاعةِ مخُاطبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لمَا أنَّهم أيضًا كانُوا يتلون عليهم آياتِ الوعيدِ بقيامها. ومعنى القُرْبِ في هذا إمَّا بطريق الاستهزاءِ وإمَّا باعتبارِ قُربِ العهدِ بالوعدِ.
{مَا يَنظُرُونَ} جوابٌ من جهته تعالى أي ما ينتظرونَ {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} هي النَّفخةُ الأولى {تَأُخُذُهُمْ} مفاجأةً {وَهُمْ يَخِصّمُونَ} أي يتخاصمُون في متاجرِهم ومعاملاتِهم لا يخطر ببالِهم شيءٌ من مخايلها كقولِه تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} فلا يغترُّوا بعدم ظهور علائِمها ولا يزعمُوا أنَّها لا تأتيهم. وأصلُ يخصِّمون يَخْتَصِمُون فُسكِّنت التَّاءُ وأُدغمتْ في الصَّادِ ثمَّ كُسرتْ الخاءلالتقاءِ السَّاكنينِ. وقُرئ بكسر الياءِ للاتباعِ، وبفتح الخاءِ على إلقاءِ حركةِ التَّاءِ عليه. وقُرئ على الاختلاسِ، وبالإسكانِ على تجويزِ الجمعِ بين السَّاكنينِ إذا كان الثَّاني مُدغَمًا وإنْ لم يكُن الأوَّلُ حرفَ مدَ. وقُرئ {يَخْصِمُون} من خَصَمَه إذا جَادَله.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} في شيءٍ من أمورِهم إنْ كانُوا فيما بين أهليهم {وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} إنْ كانُوا في خارج أبوابِهم بل تبغتهم الصَّيحةُ فيموتون حيثُما كانُوا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ}. إلخ.
بيان لاعراضهم عن الآيات التنزيلية بعد بيان إغراضهم عن الآيات الآفاقية التي كانوا يشاهدونها وعدم تأملهم فيها أي إذا قيل لأهل مكة بطريق الإنذار بما نزل من الآيات أو بغيره {اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} قال قتادة ومقاتل: أي عذاب الأمم التي قبلكم، والمراد اتقوا مثل عذابهم {وَمَا خَلْفَكُمْ} أي عذاب الآخرة، وقال مجاهد في رواية عكس ذلك، وجاء عنه في رواية أخرى ما بين أيديهم ما تقدم من ذنوبهم وما خلفهم ما يأتي منها، وعن الحسن مثله، وقيل ما بين أيديهم نوازل السماء وما خلفهم نوائب الأرض، وقيل ما بين أيديهم المكاره من حيث يحسبون وما خلفهم المكاره من حيث لا يحتسبون، وحاصل الأمر على ما قيل اتقوا العذاب أو اتقوا ما يترتب العذاب عليه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} حال من واو اتقوا أو غاية له راجعين أن ترحموا أو كي ترحموا، وفسرت الرحمة بالانجاء من العذاب، وجواب إذا محذوف ثقة بانفهامه من قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايات رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} انفهاماٌ بينا، أما إذا كان الإنذار بالآية الكريمة فبعبارة النص، وأما إذا كان بغيرها فبدلالته لأنهم حين أعرضوا عن أيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الأولى كأنه قيل: وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أو اتقوا ما يوجبه أعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه، وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لآية، وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترأوا عليه في حقها، والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه تعالى الموجبة للإقبال عليها والإيمان وإيتاؤها نزول الوحي بها أي ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآية الثلاث المعدودة آنفًا وإيتاؤها ظهورها لهم أي ما ظرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شئونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين تاريكن للنظر الصحيح فيما المؤدي إلى الإيمان به عز وجل.
وفي الكلام إشارة إلى استمرارهم على الأعراض حسب استمرار إتيان الآيات، و{عَنْ} متعلقة بمعرضين قدمت عليه للحصر الإدعائي مبالغة في تقبيح حالهم، وقيل للحصر الإضافي أي معرضين عنها لا عما عم عليه من الكفر وقيل لرعاية الفواصل والجملة في حيز النصب على أنها حال من مفعول تأتي أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما تأتيهم آية من آيات ربهم في حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها في حال من أحوالها إلا حال اعراضهم عنها.
وجملة {وَمَا تَأْتِيهِم} الخ على ما يشعر به كلام الكشاف تذييل يؤكد ما سبق من حديث الاعراض، وإلى كونه تذييلًا ذهب الخفاجي ثم قال: فتكون معترضة أو حالا مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنه مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم فتأمل.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} أي أعطاكم سبحانه بطريق التفضل والأنعام من أنواع الأموال، وعبر بذلك تحقيقًا للحق وترغيبًا في الإنفاق على منهاج قوله تعالى: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} [القصص: 77] وتنبيهًا على عظم جنايتهم في ترك الامتثال بالأمر، وكذلك الإتيان بمن التبعيضية، والكلام على ما قيل لذمهم على ترك الشفقة على خلق الله تعالى أثر ذمهم على ترك تعظيمه عز وجل بترك التقوى، وفي ذلك إشارة إلى أنهم أخلوا بجميع التكاليف لأنها كلها ترجع إلى أمرين التعظيم لله تعالى والشفقة على خلقه سبحانه، وقيل هو للإشارة إلى عدم مبالاتهم بنصح الناصح وإرشاده إياهم إلى مايدفع البلاء عنهم قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا} [يس: 45] الخ والمعنى عليه، إذا قيل لهم بطريق النصيحة والإرشاد إلى ما فيه نفعهم انفقوا بعض ما آتاكم الله من فضله على المحتاجين فإن ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} والأول أظهر، والظاهر أن الذين كفروا هم الذين قيل لهم انفقوا وعدل عن ضميرهم إلى الظاهر إيماء إلى علة القول المذكور، وفي كون القول للذين آمنوا إيماء إلى أنهم القائلون، قيل: لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين قطعوا عنهم ما كانوا يواسونهم به وكان ذلك بمكة قبل نزول آيات القتال فندبهم المؤمنون إلى صلة حواشيهم فقالوا: {أَنُطْعِمُ} الخ، وقيل: سحت قريش بسبب أزمة على المساكين من مؤمن وغيره فندبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة عليهم فقالوا هذا القول، وقيل: قال فقراء المؤمنين أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله تعالى فحرموا وقالوا ذلك، وروي هذا عن مقاتل، وقال ابن عباس: كان بمكة زنادقة إذا أمروا بالصدقة قالوا لا والله أيفقره الله تعالى ونطعمه نحن وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة الله تعالى يقولون لو شاء الله تعالى لأغنى فلانًا ولو شاء لأعزه ولو شاء سبحانه لكان كذا فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون.